فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إنا عرضنا الأمانة} الآية. قال: الامانة الفرائض، عرضها الله على السموات والأرض والجبال إن أدُّوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك واشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيمًا لدين الله أن لا يقوموا بها، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها. وهو قوله: {وحملها الإِنسان إنه كان ظلومًا جهولًا} يعني غرًا بأمر الله.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية رضي الله عنه في قوله: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض} قال: الأمانة: ما أمروا به ونهوا عنه. وفي قوله: {وحملها الإِنسان} قال: آدم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم قال: إن الله عرض الأمانة على السماء الدنيا فأبت، ثم التي تليها حتى فرغ منها، ثم الأرض، ثم الجبال، ثم عرضها على آدم عليه السلام فقال: نعم. بين أذني وعاتقي قال الله فثلاث آمرك بهن فإنهن لك عون. إني جعلت لك بصرًا، وجعلت لك شفرتين، ففضهما عن كل شيء نهيتك عنه، وجعلت لك لسانًا بين لحيين، فكفه عن كل شيء نهيتك عنه، وجعلت لك فرجًا وواريته، فلا تكشفه إلى ما حرمت عليك.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن ابن جريج رضي الله عنه في الآية قال: بلغني أن الله تعالى لما خلق السموات والأرض والجبال قال إني فارض فريضة، وخالق جنة ونارًا، وثوابًا لمن أطاعني وعقابًا لمن عصاني فقالت السماء: خلقتني فسخرت فيَّ الشمس والقمر، والنجوم والسحاب والريح والغيوم، فانا مسخرة على ما خلقتني، لا أتحمل فريضة، ولا أبغي ثوابًا ولا عقابًا، وقالت الأرض، خلقتني وسخرتني فجرت فيَّ الأنهار، فأخرجت مني الثمار، وخلقتني لما شئت، فأنا مسخرة على ما خلقتني، لا أتحمل فريضة، ولا أبغي ثوابًا ولا عقابًا، وقالت الجبال: خلقتني رواسي الأرض، فأنا على ما خلقتني، لا أتحمل فريضة، ولا أبغي ثوابًا ولا عقابًا، فلما خلق الله آدم عرض عليه، فحمله {إنه كان ظلومًا} ظلمه نفسه في خطيئته {جهولًا} بعاقبة ما تحمل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال: لما خلق الله السموات والأرض والجبال، عرض الأمانة عليهن فلم يقبلوها، فلما خلق آدم عليه السلام عرضها عليه قال: يا رب وما هي؟ قال: هي إن أحسنت أجرتك، وإن أسأت عذبتك، قال: فقد تحملت يا رب قال: فما كان بين أن تحملها إلى أن أخرج إلا قدر ما بين الظهر والعصر.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إنا عرضنا الأمانة} قال: عرضت على آدم عليه السلام فقيل: خذها بما فيها، فإن أطعت غفرت لك، وإن عصيت عذبتك، قال: قبلتها بما فيها، فما كان إلا قدر ما بين الظهر إلى الليل من ذلك اليوم حتى أصاب الذنب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن أشوع في الآية قال عرض عليهن العمل، وجعل لهن الثواب، فضججن إلى الله ثلاثة أيام ولياليهن، فقلن: ربنا لا طاقة لنا بالعمل، ولا نريد الثواب.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عرض العمل على محمد بن كعب فأبى، فقال له عمر رضي الله عنه: أتعصي؟ فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله تعالى حين عرض {الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها} هل كان ذلك منها معصية؟ قال: لا. فتركه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الله قال لآدم عليه السلام إني عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال فلم تطقها فهل أنت حاملها بما فيها؟ قال: أي رب وما فيها؟ قال: إن حملتها أجرت، وإن ضيعتها عذبت، قال: قد حملتها بما فيها قال: فما عبر في الجنة إلا قدر ما بين الأولى والعصر حتى أخرجه إبليس من الجنة قيل للضحاك: وما الأمانة؟ قال: هي الفرائض، وحق على كل مؤمن أن لا يَغُشَّ مؤمنًا، ولا معاهدًا، في شيء قليل ولا كثير، فمن فعل فقد خان أمانته، ومن انتقص من الفرائض شيئًا فقد خان أمانته.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال} قال: يعني به الدين، والفرائض، والحدود، {فأبين أن يحملنها وأشفقن منها} قيل لهن: أن تحملنها، وتؤدين حقها. فقلنا: لا نطيق ذلك {وحملها الإِنسان} قيل له: أتحملها؟ قال: نعم. قيل: أتؤدي حقها؟ فقال: أطيق ذلك قال الله: {إنه كان ظلومًا جهولًا} أي ظلومًا بها، جهولًا عن حقها {ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} قال: هذان اللذان خاناها {ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات} قال: هذان اللذان أدياها {وكان الله غفورًا رحيمًا}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير رضي الله عنه {إنا عرضنا الأمانة} قال: الفرائض.
وأخرج الفريابي عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {إنَّا عرضنا الأمانة} قال: الدين.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأمانة ثلاث: الصلاة، والصيام، والغسل من الجنابة».
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في سننه عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها.
وأخرج ابن أبي الدنيا في الورع والحكيم الترمذي عن عبدالله بن عمرو قال: أول ما خلق الله من الإِنسان فرجه، ثم قال: هذه أمانتي عندك فلا تضيعها إلا في حقها. فالفرج أمانة، والسمع أمانة، والبصر أمانة.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمرو رضي الله عنه قال: من تضييع الأمانة: النظر في الحجرات والدور.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا ومن الأمانة، ألا ومن الخيانة، أن يحدث الرجل أخاه بالحديث فيقول: اكتم عني. فيفشيه».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها».
وأخرج الطبراني وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وأبو يعلى والبيهقي والضياء عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حدث الرجل بالحديث، ثم التفت فهي أمانة».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {ليعذب الله المنافقين} قال: هما اللذان ظلماها واللذان خاناها: المنافق والمشرك.
وأخرج ابن جرير بسند ضعيف عن الحكم بن عمير وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الأمانة والوفاء نزلا على ابن آدم مع الأنبياء، فأرسلوا به فمنهم رسول الله، ومنهم نبي، ومنهم نبي رسول الله، ونزل القرآن وهو كلام الله، ونزلت العربية والعجمية، فعلموا أمر القرآن، وعلموا أمر السنن بألسنتهم، ولن يدع الله شيئًا من أمره مما يأتون، ومما يجتنبون، وهي الحجج عليهم إلا بينت لهم، فليس أهل لسان إلا وهم يعرفون الحسن من القبيح، ثم الأمانة أول شيء يرفع، ويبقى أثرها في جذور قلوب الناس، ثم يرفع الوفاء والعهد والذمم، وتبقى الكتب لعالم يعلمها، وجاهل يعرفها وينكرها، ولا يحملها حتى وصل إليّ وإلى أمتي، فلا يهلك على الله إلا هالك، ولا يغفله إلا تارك، والحذر أيها الناس، وإياكم والوسواس الخناس، فإنما يبلوكم أيكم أحسن عملًا» والله أعلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)}.
قوله: {إِلاَّ قَلِيلًا} أي: إلاَّ زمانًا قليلًا، أو إلاَّ جِوارًا قليلًا. وقيل: {قليلًا} نصبٌ على الحال مِنْ فاعل {يُجاوِرونك} أي: إلاَّ أَقِلاَّءَ أَذِلاَّء بمعنى: قليلين. وقيل: {قليلًا} منصوبٌ على الاستثناء أي: لا يُجاوِرُكَ إلاَّ القليلُ منهم على أذلِّ حالٍ وأقلِّه.
قوله: {مَّلْعُونِينَ} حالٌ مِنْ فاعل {يُجاوِرونك} قاله ابن عطية والزمخشري وأبو البقاء. قال ابن عطية: لأنه بمعنى يَنْتَفُوْن منها ملعونين. وقال الزمخشري: دَخَلَ حرفُ الاستثناء على الحالِ والظرفِ معًا كما مَرَّ في قوله: {إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيْرَ} [الأحزاب: 53]. قلت: وقد تقدَّم بحثُ الشيخِ معه وهو عائدٌ هنا. وجَوَّزَ الزمخشريُّ أَنْ ينتَصِبَ على الشتمِ. وجَوَّز ابنُ عطية أَنْ يكونَ بدلًا مِنْ {قليلًا} على أنه حال كما تقدَّم تقريرُه. ويجوزُ أَنْ يكونَ {مَلْعونين} نعتًا ل {قليلًا} على أنه منصوبٌ على الاستثناءِ مِنْ واو {يُجاوِرُوْنَك} كما تقدَّم تقريرُه. أي: لا يُجاورُك منهم أحدٌ إلاَّ قليلًا ملعونًا. ويجوز أَنْ يكونَ منصوبًا ب {أُخِذُوا} الذي هو جوابُ الشرطِ. وهذا عند الكسائيِّ والفراء فإنهما يُجيزان تقديمَ معمولِ الجواب على أداةِ الشرط نحو: خيرًا إْن تَأْتِني تُصِبْ.
وقد منع الزمخشريُّ ذلك فقال: ولا يَصِحُّ أنْ ينتصِبَ ب {أُخِذُوا} لأنَّ ما بعد كلمة الشرطِ لا يَعْمل فيما قبلَها. وهذا منه مَشْيٌ على الجادَّةِ. وقوله: ما بعد كلمةِ الشرط يشملُ فعلَ الشرطِ والجوابِ. فأمَّا الجوابُ فتقدَّم حكمُه، وأمَّا الشرطُ فأجاز الكسائيُّ أيضًا تقديمَ معمولِه على الأداة نحو: زيدًا إنْ تَضْرِبْ أُهِنْكَ. فتلخَّص في المسألة ثلاثةُ مذاهبَ: المَنعُ مطلقًا، الجوازُ مطلقًا، التفصيلُ: يجوز تقديمُه معمولًا للجواب، ولا يجوزُ تقديمُه معمولًا للشرط، وهو رأيُ الفرَّاء.
قوله: {وقُتِّلوا} العامَّةُ على التشديد. وقُرِئ بالتخفيف. وهذه يَرُدُّها مجيءُ المصدرِ على التَّفْعيل إلاَّ أَنْ يُقالَ: جاء على غيرِ صَدْرِه. وقوله: {سُنَّةُ اللَّهِ} قد تقدَّم نظيرها.
قوله: {لَعَلَّ الساعة} الظاهرُ أنَّ {لعلَّ} تُعَلِّق كما يُعَلِّق التمني. و{قريبًا} خبرُ كان على حَذْفِ موصوفٍ أي: شيئًا قريبًا. وقيل: التقديرُ: قيامَ الساعة، فرُوْعِيَتِ الساعةُ في تأنيث {تكون} ورُوْعي المضافُ المحذوفُ في تذكير {قريبًا} وقيل: قريبًا كَثُر استعمالُه استعمالَ الظروفِ فهو هنا ظرفٌ في موضعِ الخبر.
{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)}.
قوله: {فِيهَآ} أي: في السَّعير لأنها مؤنثة، أو لأنه في معنى جهنم. و{لا يَجِدُون} حالٌ ثانية أو مِنْ {خالدين}.
{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)}.
قوله: {يَوْمَ} معمول ل {خالدين} أو ل {يَجدون} أو ل {نصيرًا} أو ل اذْكُرْ، أو ل {يقولون} بعده. وقرأ العامَّةُ {تُقَلَّبُ} مبنيًا للمفعول. {وجوهُهم} رفعٌ على ما لم يُسَمَّ فاعلُه. وقرأ الحسن وعيسى والرؤاسي {تَقَلَّبُ} بفتح التاء أي: تتقلَّب. {وجوهُهم} فاعلٌ به. أبو حيوةَ {نُقَلِّبُ} بالنون أي نحن. {وجوهَهم} بالنصب. وعيسى البصرة {تُقَلِّبُ} بضمِّ التاءِ وكسرِ اللام أي: تُقَلِّبُ السَّعيرُ أو الملائكةُ. {وجوهَهم} بالنصب على المفعول به. {يقولون} حالٌ و{يا لَيْتَنا} مَحْكِيٌّ.
{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)}.
قوله: {سَادَتَنَا} قرأه ابنُ عامر في آخرين بالجمع بالألف والتاء. والباقون {سادَتنا} على أنه جمعُ تكسير غيرُ مجموعٍ بألفٍ وتاء. ثمَّ سادة يجوز أن يكونَ جمعًا لسَيِّد، ولكنْ لا ينقاسُ؛ لأنَّ فَيْعِلًا لا يُجْمع على فَعَلَة، وسادَة فَعَلَة؛ إذ الأصلُ سَوَدَة. ويجوزُ أنْ يكونَ جمعًا لسائدِ نحو: فاجِر وفَجَرة، وكافِر وكَفَرة وهو أقربُ إلى القياس ممَّا قبله، وابنُ عامرٍ جمع هذا ثانيًا بالألفِ والتاء، وهو غيرُ مقيسٍ أيضًا نحو: بيُوتات وجِمالات.
{رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)}.
وقرأ: {كبيرًا} بالباءِ الموحَّدة عاصمٌ. والباقون بالمثلثة، وتقدَّم معناهما في البقرة.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)}.
قوله: {عِندَ الله} العامَّةُ على {عند} الظرفية المجازية. وابن مسعود والأعمشُ وأبو حيوةَ {عَبْدًا} من العبودية، {لله} جارٌّ ومجرورٌ وهي حسنةٌ. قال ابن خالويه: صَلَّيْتُ خلفَ ابن شنبوذ في رمضانَ فسمعتُه يقرأ بقراءةِ ابنِ مسعود هذه. قلت: وكان- رحمه اللَّهُ- مُولعًا بنَقْلِ الشاذِّ، وحكايتُه مع ابن مُقْلة الوزيرِ وابن مجاهدٍ في ذلك مشهورةٌ. وما في {ممَّا قالُوا} إمَّا مصدريةٌ، وإمَّا بمعنى الذي.
وقوله: {إِنَّا عَرَضْنَا} إمَّا حقيقةٌ، وإما تمثيلٌ وتخييلٌ.
وقوله: {فَأَبَيْنَ} أتى بضميرِ هذه كضميرِ الإِناث؛ لأنَّ جَمْعَ التكسيرِ غيرَ العاقلِ يجوز فيه ذلك، وإنْ كان مذكرًا، وإنما ذكَرْتُه لئلا يُتَوَهَّم أنه قد غَلَّبَ المؤنثَ وهو {السماوات} على المذكر وهو {الجبالُ}.
قوله: {لِّيُعَذِّبَ} متعلِّقٌ بقوله: {وحَمَلها} فقيل: هي لامُ الصيرورةِ لأنه لم يَحْملها لذلك. وقيل: لامُ العلةِ على المجاز؛ لَمَّا كانت نتيجةُ حَمْلِه ذلك جُعِلَتْ كالعلَّة الباعثةِ. ورَفَعَ الأعمشُ {ويتوبُ} استئنافًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا}.
هنا إضمار أي: أهل السموات والأرض والجبال.
وقيل أحياها وأعْقَلَها، وهو كقوله: {ائتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11].
{فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا} أي أبين أنْ تَخُنَّ فيها، {وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ} أي خان فيها. وهم مراتب: فالكفار خانوا في الأصل الأمانة- وهي المعرفة- فكفروا. ومَنْ دُونَهم خانوا بالمعاصي، وبعضهم أَشَدُّ وبعضهم أهون، وكلُّ احتقب من الوِزْرِ مقدارَه.